فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قال قتادة: نزلت في قوم من تِهامة طلبوا الأمان من النبي صلى الله عليه وسلم ليأمنوا عنده وعند قومهم.
مجاهد: هي في قوم من أهل مكة.
وقال السُّديّ: نزلت في نُعيم بن مسعود كان يأمن المسلمين والمشركين.
وقال الحسن: هذا في قوم من المنافقين.
وقيل: نزلت في أسد وغَطَفان قدموا المدينة فأسلموا ثم رجعوا إلى إلى ديارهم فأظهروا الكفر. اهـ.

.قال الفخر:

قوله تعالى: {فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السلم وَيَكُفُّواْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ واقتلوهم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}
والمعنى: فإن لم يعتزلوا قتالكم ولم يطلبوا الصلح منكم ولم يكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم.
قال الأكثرون: وهذا يدل على أنهم إذا اعتزلوا قتالنا وطلبوا الصلح منا وكفوا أيديهم عن إيذائنا لم يجز لنا قتالهم ولا قتلهم، ونظيره قوله تعالى: {لاَّ ينهاكم الله عَنِ الذين لَمْ يقاتلوكم في الدين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مّن دياركم أَن تَبَرُّوهُمْ} [الممتحنة: 8] وقوله: {وقاتلوا فِي سَبِيلِ الله الذين يقاتلونكم} [البقرة: 190] فخص الأمر بالقتال لمن يقاتلنا دون من لم يقاتلنا.
واعلم أن هذا الكلام مبني على أن المعلق بكلمة «إن» على الشرط عدم عند عدم الشرط، وقد شرحنا الحال فيه في قوله تعالى: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: 31]. اهـ.

.قال أبو حيان:

وتأمل فصاحة الكلام في أنْ ساقه في الصيغة المتقدّمة قبل هذه سياق إيجاب الاعتزال، وإيجاب إلقاء السلم، ونفى المقاتلة، إذ كانوا محقين في ذلك معتقدين له.
وسياقه في هذه الصيغة المتأخرة سياق نفى الاعتزال، ونفى إلقاء السلم، إذ كانوا مبطلين فيه مخادعين، والحكم سواء على السياقين.
لأن الذين لم يجعل عليهم سبيلًا لو لم يعتزلوا، لكان حكمهم، حكم هؤلاء الذين جعل عليهم السلطان المبين.
وكذلك هؤلاء الذين عليهم السلطان إذا لم يعتزلوا، لو اعتزلوا كان حكمهم حكم الذين لا سبيل عليهم، ولكنهم بهذه العبارة تحت القتل إن لم يعتزلوا انتهى كلامه.
وهو حسن.
ولما كان أمر الفرقة الأولى أخف، رتّب تعالى انتفاء جعل السبيل عليهم على تقدير سببين: وجود الاعتزال، وإلقاء السلم.
ولما كان أمر هذه الفرقة المخادعة أشدّ، رتب أخذهم وقتلهم على وجود ثلاثة أشياء: نفي الاعتزال، ونفي إلقاء السلم، ونفي كف الأذى.
كل ذلك على سبيل التوكيد في حقهم والتشديد. اهـ.
{وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سلطانا}

.قال الفخر:

وفي السلطان المبين وجهان:
الأول: أنه ظهر على جواز قتل هؤلاء حجة واضحة ظاهرة، وهي ظهور عداوتهم وانكشاف حالهم في الكفر والغدر، وإضرارهم بأهل الإسلام.
الثاني: أن السلطان المبين هو إذن الله تعالى للمسلمين في قتل هؤلاء الكفار. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانًا مبينًا} أي على أخذهم وقتلهم حجة واضحة، وذلك لظهور عداوتهم، وانكشاف حالهم في الكفر والغدر، وإضرارهم بأهل الإسلام، أو حجة ظاهرة حيث أذنا لكم في قتلهم.
قال عكرمة: حيثما وقع السلطان في كتاب الله فالمراد به الحجة. اهـ.

.قال ابن عطية:

{سَتَجِدُونَ آَخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ}
لما وصف الله تعالى فيما تقدم صفة المحقين في المتاركة، المجدين في إلقاء السلم، نبه على طائفة مخادعة مبطلة مبطنة كانوا يريدون الإقامة في مواضعهم مع أهليهم، يقولون لهم: نحن معكم وعلى دينكم، ويقولون أيضًا للمسلمين إذا وفدوا وأرسلوا: نحن معكم وعلى دينكم خبثة منهم وخديعة، قيل: كانت أسد وغطفان بهذه الصفة، وقيل: نزلت في نعيم بن مسعود الأشجعي، كان ينقل بين النبي عليه السلام والكفار الأخبار، وقيل: نزلت في قوم يجيئون من مكة إلى النبي عليه السلام رياء يظهرون الإسلام ثم يرجعون إلى قريش فيكفرون، ففضح الله تعالى هؤلاء، وأعلم أنها على غير صفة من تقدم، وقوله: {إلى الفتنة} معناه إلى الإختبار، حكي أنهم كانوا يرجعون إلى قومهم فيقال لأحدهم: قل: ربي الخنفساء، وربي العود، وربي العقرب، ونحوه، فيقولها، ومعنى {أركسوا} رجعوا رجع ضلالة أي أهلكوا في الاختيار بما واقعوه من الكفر، وقرأ عبد الله بن مسعود {رُكسوا} بضم الراء من غير ألف، وحكاه عنه أبو الفتح بشد الكاف على التضعيف، والخلاف في {السلم} حسبما تقدم، وهذه الآية حض على قتل هؤلاء المخادعين إذا لم يرجعوا عن حالهم إلى حال الآخرين المعتزلين الملقين للسلم.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه الله: وتأمل فصاحة الكلام في أن سياقه في الصيغة المتقدمة قبل هذه سياق إيجاب الاعتزال. وإيجاب إلقاء السلم، ونفي المقاتلة، إذ كانوا محقين في ذلك معتقدين له، وسياقه في هذه الصيغة المتأخرة سياق نفي الاعتزال، ونفي إلقاء السلم، إذ كانوا مبطلين فيه مخادعين، والحكم سواء على السياقين، لأن الذين لم يجعل الله عليهم سبيلًا لو لم يعتزلوا لكان حكمهم حكم هؤلاء الذين جعل عليهم {سلطان مبين}، وكذلك هؤلاء الذين عليهم السلطان، إذ لم يعتزلوا، لو اعتزلوا لكان حكمهم حكم الذين لا سبيل عليهم. ولكنهم بهذه العبارة تحت القتل إن لم يعتزلوا، و{ثقفتموهم} مأخوذ من الثقاف، أي ظفرتم بهم مغلوبين متمكنًا منهم، والسلطان الحجة، قال عكرمة: حيث ما وقع السلطان في كتاب الله تعالى فهو الحجة. اهـ.

.قال الألوسي:

{سَتَجِدُونَ ءاخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ} هم أناس كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون رياء ثم يرجعون إلى قريش فيرتكسون في الأوثان يبتغون بذلك أن يأمنوا نبي الله تعالى صلى الله عليه وسلم ويأمنوا قومهم فأبى الله تعالى ذلك عليهم قاله ابن عباس ومجاهد وقيل: الآية في حق المنافقين {كُلَّ مَا رُدُّواْ إِلَى الفتنة} أي دعوا إلى الشرك كما روي عن السدي وقيل: إلى قتال المسلمين {أُرْكِسُواْ فِيِهَا} أي قلبوا فيها أقبح قلب وأشنعه، يروى عن ابن عباس أنه كان الرجل يقول له قومه: بماذا آمنت؟ فيقول: آمنت بهذا القرد والعقرب والخنفساء {فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ} بالكف عن التعرض لكم بوجه مّا {وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السلم} أي ولم يلقوا إليكم الصلح والمهادنة {وَيَكُفُّواْ أَيْدِيَهُمْ} أي ولم يكفوا أنفسهم عن قتالكم.
{فَخُذُوهُمْ واقتلوهم حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ} أي وجدتموهم وأصبتموهم حيث تمكنتم منهم، وعن بعض المحققين إن هذه الآية مقابلة للآية الأولى، وبينهما تقابل إما بالإيجاب والسلب، وإما بالعدم والملكة لأن إحداهما عدمية والأخرى وجودية وليس بينهما تقابل التضاد ولا تقابل التضايف لأنهما على ما قرروا لا يوجدان إلا بين أمرين وجوديين فقوله سبحانه: {فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ} مقابل لقوله تعالى: {فَإِنِ اعتزلوكم} [النساء: 90] وقوله جل وعلا: {وَيُلْقُواْ} مقابل لقوله عز شأنه: {وَأَلْقَوْاْ} [النساء: 90] وقوله جل جلاله: {وَيَكُفُّواْ} مقابل لقوله عز من قائل: {فَلَمْ يقاتلوكم} [النساء: 90] والواو لا تقتضي الترتيب، فالمقدم مركب من ثلاثة أجزاء في الآيتين، وهي في الآية الأولى الاعتزال وعدم القتال وإلقاء السلم فبهذه الأجزاء الثلاثة تم الشرط، وجزاؤه عدم التعرض لهم بالأخذ والقتل كما يشير إليه قوله تعالى: {فَمَا جَعَلَ الله لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} [النساء: 90] وفي الآية الثانية عدم الاعتزال وعدم إلقاء السلم وعدم الكف عن القتال، فبهذه الأجزاء الثلاثة تم الشرط، وجزاؤه الأخذ والقتل المصرح به بقوله سبحانه: {فَخُذُوهُمْ واقتلوهم}.
ومن هذا يعلم أن {وَيَكُفُّواْ} بمعنى لم يكفوا عطف على المنفي لا على النفي بقرينة سقوط النون الذي هو علامة الجزم، وعطفه على النفي والجزم بأن الشرطية لا يصح لأنه يستلزم التناقض لأن معنى {فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ} إن لم يكفوا، وإذا عطف {وَيَكُفُّواْ} على النفي يلزم اجتماع عدم الكف والكف، وكلام الله تعالى منزه عنه، وكذا لا يصح كون قوله سبحانه: {وَيَكُفُّواْ} جملة حالية أو استئنافية بيانية أو نحوية لاستلزام كل منهما التناقض مع أنه يقتضي ثبوت النون في {يكفوا} على ما هو المعهود في مثله، وأبو حيان جعل الجزاء في الأول: مرتبًا على شيئين وفي الثانية: على ثلاثة، والسر في ذلك الإشارة إلى مزيد خباثة هؤلاء الآخرين، وكلام العلامة البيضاوي بيض الله تعالى غرة أحواله في هذا المقام لا يخلو عن تعقيد، وربما لا يوجد له محمل صحيح إلا بعد عناية وتكلف فتأمل جدًا {ثِقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ} الموصوفون بما ذكر من الصفات الشنيعة.
{جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سلطانا مُّبِينًا} أي حجة واضحة فيما أمرناكم به في حقهم لظهور عداوتهم ووضوح كفرهم وخباثتهم، أو تسلطًا لا خفاء فيه من حيث أذنا لكم في أخذهم وقتلهم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{سَتَجِدُونَ آَخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ}
هؤلاء فريق آخر لا سَعْيَ لهم إلاّ في خُوَيْصْتِهِم، ولا يعبأون بغيرهم، فهم يظهرون المودّة للمسلمين ليأمنوا غزوهم، ويظهرون الودّ لقومهم ليأمنوا غائلتهم، وما هم بمخلصين الودّ لأحد الفريقين، ولذلك وصفوا بإرادة أن يأمنوا من المؤمنين ومن قومهم، فلا هَمّ لهم إلاّ حظوظ أنفسهم، يلتحقون بالمسلمين في قضاء لبانات لهم فيظهرون الإيمانَ، ثم يرجعون إلى قومهم فيرتدّون إلى الكفر، وهو معنى قوله: {كُلَّما رُدّوا إلى الفتنة أُرْكسُوا فيها} [النساء: 91].
وقد مر بيان معنى {أركسوا} قريبًا.
وهؤلاء هم غَطفان وبنُو أسد ممن كانوا حول المدينة قبل أن يخلص إسلامهم، وبنو عبد الدار من أهل مكة، كانوا يأتون المدينة فيظهرون الإسلام ويرجعون إلى مكة فيعبدون الأصنام.
وأمرْ الله المؤمنين في معامَلة هؤلاء ومُعَامَلَة الفريق المتقدّم في قوله: {إلاّ الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق} [النساء: 90] أمرٌ واحد، وهو تركهم إذا تركوا المؤمنين وسالموهم، وقتالُهم إذا ناصبوهم العَداء، إلاّ أن الله تعالى جعل الشرط المفروض بالنسبة إلى الأوّلين: أنّهم يعتزلون المسلمين، ويلقون إليهم السلم، ولا يقاتلونهم، وجعل الشرط المفروض بالنسبة إلى هؤلاء أنّهم لا يعتزلون المسلمين، ولا يلقون إليهم السلم، ولا يكفّون أيديهم عنهم، نظرًا إلى الحالة المترقبّة من كلّ فريق من المذكورين.
وهو افتنان بديع لم يبق معه اختلاف في الحكم ولكن صرّح باختلاف الحالين، وبوصف ما في ضمير الفريقين.
والوجدان في قوله: {ستجدون آخرين} بمعنى العثور والإطّلاع، أي ستطَّلعون على قوم آخرين، وهو من استعمال وَجد، ويتعدّى إلى مفعول واحد، فقوله: {يريدون} جملة في موضع الحال، وسيأتي بيان تصاريف استعمال الوجدان في كلامهم عند قوله تعالى: {لتَجدنّ أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا} في سورة المائدة (82).
وجيء باسم الإشارة في قوله: {وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانًا مبينًا} لزيادة تمييزهم.
(والسلطان المبين) هو الحجّة الواضحة الدالّة على نفاقهم، فلا يُخْشَى أن ينسب المسلمون في قتالهم إلى اعتداء وتفريق الجامعة. اهـ.